المقالات

سائرون نحو الماوية

احجية تحالف تتفكك تحت استار انين الرافدين ,

تاريخ العراق الحديث المثقل بالأفكار المستوردة وتطبيقاتها ارض يدار منها التاريخ عطشى , اعتادت امتصاص كل فكر تدق رياحه اسوار الرافدين فتختزله ارض العراق ميزات ميراث فكري جديد ليتقولب بعد بضع سنين فكرا مشتتا محتضن خارجيا فتزيعه ثائرة عليه وهكذا في سجل تاريخ ارض السواد .

اليوم بعد ثورات وكم الحروب التي اوغلت خنجرها في صدر العراق نما بين ثناياها فكر محدث حمل عروش ايديولوجيات وجدت متنفسا لها فوق ارض العراق تبنتها شرائح مختلفة من المجتمع العراقي ولا باس بان نذكرها وهي معلومة للجميع: [النظام الرأسمالي بكل مراحل تطوره الى ما يعرف بالرأسمالية المتوحشة –الماركسية وما نشا عنها لحزب عراقي شيوعي دخل العراق في ظله فترات مظلمة في نزاعه مع حزب البعث الاشتراكي] وغيرها العديد من الحركات والارهاصات التي اخذت حيزا اقل بالمقارنة مع ما ذكرنا.

تاريخيا يعتبر من ابرز الانقلابات الفكرية التي أحدثت خللا في مسار الدول العربية هي التبعية الفكرية للنظام الرأسمالي ومتبنياته الفلسفية النفعية والتبعية الفكرية للنظام الشيوعي ومتبناياته الفكرية الالحادية وحزب البعث العراقي ومتبنياته الفكرية الخليط بينهما الملاحظ من خلال الزوايا الفكرية لهذا الثلاثي انه علماني لا يعتقد بعقيدة يؤطر بها تحركه الأيديولوجي وبالتالي فهو مؤهل للاتحاد والانقسام مع مختلف الطروحات الفكرية الموجودة في الساحة العربية خصوصا ومن هذه الفاصلة نلاحظ التوافق في المسار والهدف بين الولايات المتحدة والنظام السعودي في مختلف القضايا العالمية وخصوصا العربية والإسلامية على سبيل المثال او التحالف بين حزب البعث العراقي والنظام السعودي ومعظم دول الخليج الذي استمر لأكثر من 8 سنوات في حرب صدام ضد ايران .

لذلك لا نستغرب عندما يكون هناك هجينا لتحالف بين الرأسمالية المتوحشة وبين مفهوم الثورة الشيوعية على الطريقة الماوية التي تعتبر من أكثر الأحزاب الشيوعية تطرفا في العالم -هي سلم متطور للماركسية من الاشتراكية الى الشيوعية ومن ثم الى الماوية-لأنهم يستخدمون الشارع في تحركهم أي الحرب الشعبية عن طريق بناء جيش عسكري.

في العراق كان لا بد من وجود عنوان تتوحد فيه مختلف النظريات والايديولوجيات لغرض إيجاد التكامل الوظيفي لهذا العنوان في الساحة الشعبية العراقية وان يكون لهذا العنوان القدرة على إدارة الشارع، ولا يوجد أوسع من ’’ سائرون’’ والجميع يعلم كم الاتهامات التي توجه الى هذا التحالف ومن ينضوي تحته من اجندات إقليمية وعالمية. في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2018 اتحد الحزب الشيوعي العراقي ومنظمات المجتمع المدني تحت مسمى تحالف سائرون وهي خطوة مثيرة للتساؤلات حول هوية الجانبين العقائدية وما هي النقاط المشتركة بين النقيضين.

لماذا يختار الحزب الشيوعي العراقي الانضواء تحت مظلة إسلامية؟ تعتبر هذه المظلة جامعة الى حد كبير فئات شعبية بعضها مسحوق اجتماعيا؟ لماذا تتشابك الاجندات في تحالف سائرون؟ بين الوطنية والبعثية والشيوعية؟ لماذا أصبح في ظل سير تحالف سائرون بودقة فكرية متناقضة؟

ما هي التحالفات التي نمت فوق ارض العراق:

1- تحالف حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي من حيث الاستراتيجيا والهدف مع استراتيجيا امبريالية في محاولة الانتصار على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب استمرت 8 سنوات.

2- تحالف دولي تفوده الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومع أكثر من 30 دولة لاحتواء نقاط ارتكاز النظام العراقي السابق بعد احتلاله للكويت من عدم الميل الى ضفتي الشرق او الغرب المتمثل بإيران او سوريا.

3- بعد 2003 تحالف بين قيادات حزب البعث المنحل مع خط مساند نابع من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والأردن وهذا ظهر جليا من خلال تحالف بقايا قيادات بعثية او ما يعرف بجيش الطريقة النقشبندية تحت لواء ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام داعش

4- كل ما سبق من تحالفات كان يدور في اطاره العام بين امبريالية غربية مع راديكالية إسلامية وبين الغطاء القانوني الدولي من قبل الأولى وبين الممول المالي والمعنوي واللوجستي من قبل الثانية اختزلت الساحات امام تحالف مقاوم اخذ بالاتساع وعلى أثره انحصر الدور الامبريالي والراديكالي الإسلامي وتفكك المشروع الاجرامي الذي عرف بداعش. وتوزعت فلوله بين تركيا وشمال العراق والأردن وأجزاء من ارض العراق وأجزاء من الأراضي السورية.

5- وهكذا تنقسم ساحات التحالف فوق الساحة العراقية بين مقاوم لصالح الامة العراقية وتوجهها في ولائها نحو مرجعية قادت العراق نحو النصر ضد اعتى اجرام قامت به عصابات داعش نقل بفتوى الجهاد الكفائي العراق من الايدي الامبريالية الى المصلحة الوطنية و بين ساحات لا تملك مرجعية ذات هدف لصالح العراق وتعدد ولاءاتها واجنداتها وبالتالي افرزت ساحة التحرير مفاهيم الثورة , التحرير, شعب ثائر , بيئة حاضنة, انقلاب على السلطة, تخوين المؤسسة العسكرية, وتهوين الدولة, علامات تقود الى ما يعرف اضمحلال تأثير النظام الساسي على الشارع العراقي وتوسيع الهوة بين الحكومة والشعب وهو مفهوم قريب لشعار الشيوعية اضمحلال الدولة وكل المفاهيم الانفة الذكر اختلف بتعريفها باختلاف الساحات. كيف؟ :

6- نلاحظ ان من حاول اختطاف الألم الشعبي العراقي وجراحه النازفة ومن حاول ان يتلاعب بكل مطالباته بحقوقه المشروعة هو اتحاد لمجموعة عناصر اغلبها ممولة خارجيا فعلى سبيل المثال ان أكثر الناشطين المدنيين اللذين جابوا شوارع العاصمة العراقية بغداد كمحرضين هم من ذوي توجهات شيوعية وبعثية وبعظهم ناشطين تخرجوا من السفارة الامريكية في بغداد وبعض الساحات التي شهدت قتلا لا يختلفون عن اجرام داعش ومهمتهم تسويق لأفلام بشعة.

7- الأهم , هي خصوصية الساحة العراقية اليوم التي تتمثل بثلاثية [ المرجعية المصوبة لخطوات الحكومة العراقية- وسلطة الشعب -و قوة المؤسسة العسكرية من جيش وحشد ] هنا يبرز دور العامل الدولي الذي وقف بمواجهة هذه الخصوصية فاخذ يبرر او يبرز كمدافع عن التجاوزات التي تتخلل المظاهرات المطالبة بالإصلاحات فظهرت عدة عوامل تعطي ايحاءا من بعض الساحات تمارس عمليات لا تمت الى المطالبة بالإصلاحات بصلة وذلك من خلال عدة معطيات :

الأول: عدم احترام أي خصوصية من ثلاثية الساحة العراقية وخاصة عندما تم رفع شعار رفض أي رمز ديني او وطني وهذا شعار رفعه البعض وهو يناقض الطرف الاخر المطالب بالإصلاح أيضا.

الثاني: أعلن معظم -وليس جميعهم- الفئات المكونة لتحالف سائرون بأنهم غير معنيين بقيادة مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وهذا بحد ذاته ينتمي الى الفرع الأول من خلال التبرأ من الولاء لزعيم الكتلة الأكبر الداخلين معها في تحالف وبالتالي فلا ياتمرون بأمره؟ فمن يكون الموجه لتحركهم؟ وتحت ظل أي تنظيمات سيتم دراسة خطوات تحالف سائرون؟ ومن سيكون المتبني لما يصدر عنهم ؟

الثالث: ظهور ما يعرف بأصحاب القبعات الزرقاء من سرايا السلام التابعة للتيار الصدري وهو تنظيم لا يختلف عن تنظيم القبعات البيضاء في سوريا التي تعتبر مسؤولة عن العديد من لعمليات الاجرامية وفبركة أفلام قصف المدنيين السوريين بالغاز والكيمياوي ليتم اتهام الحكومة السورية

بجرائم حرب ولولا التفاف الشعب حول الدولة السورية لانهارت سوريا، لكن في الشأن العراقي هل الشعب ملتف حول حكومته ليوفر لها الحصانة من الانهيار؟

استطرادا على ما سبق نلاحظ تياران في الساحة العراقية وفي ساحة التحرير وفي ساحة الوثبة والخلاني: تيار شعبي مساند للحراك خلف المرجعية ومدافع عن الحشد وعن ضرورة اضطلاع الحكومة بواجباتها تجاه مطالب الشعب وضرورة الإسراع بحل كل المعضلات التي تقف عائقا امام تأهيل مشاريع التنمية نحو التطبيق. وتيار اخر عبثي وفوضوي يسعى الى نشر القتل والطعن بالسكاكين يمارس عملية التحريض ضد الجيش والحشد وقطع بعض الطرقات والتطاول على رمز المرجعية يملك المال والاعلام وتسويق للإباحية والالحاد. وفي حال قام الجيش بضبط الشارع عن طريق الغاز المسيل للدموع على سبيل المثال نرى العامل الدولي يتدخل وبكل وقاحة مرة أخرى على لسان ممثلة الأمم المتحدة في العراق.

في خضم هذين المشهدين في الساحة العراقية التي خرجت من نصر عالمي على تنظيم داعش الإرهابي يبرز الاتي:

1- ضعف العملية السياسية العراقية في ارتكازها على القاعدة الشعبية وظهورها كأنها هجين لإرادة سياسية مكونة للعملية السياسية العراقية برمتها منذ 2003 ونستطيع ان نسمي هذا المسار ب ’’ مسير الهدف لأصله’’ ونقصد الأصل هنا المحتل الأمريكي والمنظمات الدولية التي تداخلت في العملية السياسية وتشعبات هذه العملية التي استقطبت اركان اخذت بمرور الوقت تمارس عملية الهدم لهذه العملية السياسية الناشئة.

2- استخدام الوضع الاقتصادي كمسبب لهذا التحرك لأنه فعلا عامل ضاغط وفعلي في الساحة العراقية والتي اريد عن طريق هذا العامل تحقيق ثنائية: حركة الشعب ضد حشد الشعب من خلال الأدوات الانفة الذكر وهو مطلب صهيو-خليجي امريكي. والهدف منه محاولة تحطيم التوافق بين ساحات محور المقاومة.

3- مخاض يدار في الساحة العراقية: حرف ساحات الحراك المطالبة بالإصلاحات في حقيقته هي عملية تقوم في أساسها على استهلاك لقوى الجماهير واستنزاف واستغلال ما تملكه من طاقة وتوجيه هذه الجماهير نحو الانهاك والقبول بالبديل المجهول الموقع على العديد من التنازلات مسبقا.

معالجات ضرورة الاخذ بها سريعا لتلافي تفاقم لازمة:

أولا: أظهرت الازمة انه لا بديل للحكومة العراقية من الارتكاز على القاعدة الشعبية العراقية ولغرض امتصاص غضب هذه القاعدة عليها توظيف الطاقة التي يمتلكها الشعب بمشاريع تنموية للدولة وللإنسان.

ثانيا: التوافق الوطني الحقيقي لقادة العملية السياسية متجاوزين ربط مصير العراق للأجندات الخارجية والذهاب نحو انتخابات مبكرة وتفعيل أحد امرين اما حكومة اغلبية او نظام رئاسي.

ثالثا: تقييد من حرية السفارة الامريكية في احتكاكها بالشأن العراقي الداخلي وسفيرها الذي يتطاول يوميا على سيادة الدولة العراقية والحد من تجاوزاته بحق العراق وشعب العراق وعليه ان يفهم ان العراق مجاور لدولة شرقا قامت بطرد كامل أعضاء السفارة الامريكية في عام 1979 والعراق قادر على ذلك مثلما طرد داعش فهو قادر على ما هو اقل منها. وهذا ما ينطبق على نظيره السعودي والإماراتي اللذين ركزوا إعلاميا على تحريض بعض المجاميع ضد مقدسات الشعب العراقي

رابعا: شيوع مصطلح ’’الفندق التركي ’’ على الدولة العراقية ان تثبت من انها قادرة على عبور الازمات من خلال فرض سلطة القانون في حال اذا كانت متيقنة من ان ما موجود في هذا المكان هي بؤرة لتصاعد العنف والقتل فعليها حماية المتظاهرين من هؤلاء المنفذين لأجندات خارجية ومتخذين من الفندق التركي ثكنة لتحركاتهم. لأنهم إذا كانوا اليوم محرضين لبعض المجاميع على العنف فالهدف الثاني الانقلاب على الحكم.

خامسا: ليثق الشعب بمؤسسته العسكرية “لا يمسها هاجس تبعية امبريالية امريكية خرقاء” . لكل دول العالم مؤسستها العسكرية التي تكون مهمتها المحافظة على كيان الدولة من الاعتداءات الخارجية وحفظ الامن وصيانة حقوق الشعب والدفاع عن ممتلكات الشعب وهذه من الأمور البديهية وهذا ذاته ينطبق أيضا على المؤسسة العسكرية العراقية من جيش وداخلية ودفاع لذلك فانه من المعيب جر هذه المؤسسة للدخول في موازنات مصير التواجد الامريكي في العراق والتلاعب بها بما يتوافق وهذا التواجد الذي أثقل كاهل العراق كان يتم جر هذه المؤسسة نحو انقلابات أو تفرعات سياسية مطبعة مع الكيان الصهيوني من ناحية عدم وجود رد من قبل هذه المؤسسة أمام قصف هذا الكيان لمواقع عراقية ولا حتى تنديد أو تهديد وهذا من الواجب التحرك تجاهه بالمقابل هناك ما يناقض مكانة هذه المؤسسة على سبيل المثال ان يتم إقرار قانون عرفي متعارف عليه في هذه الوزارات مثل ’’ النثريات ’’ او ثنائية الجنسية لقادة كبار يحتلون مواقع حساسة في المؤسسة العسكرية او اللهث وراء البحث عن منصب اعلى او وغيرها العديد من الأمور لذلك على الحكومة العراقية المتمثلة بالقائد العام للقوات المسلحة بالاستناد الى خبراء في القانون والقضاء بسن مجموعة من البنود القانونية الصارمة تجاه هكذا تجاوزات بحق مؤسسة يناط بها مسؤولية حماية استقلال العراق وكرامة العراق ووحدة ارض العراق .

د:عامر الربيعي

رئيس مركز الدراسات العربية -الأوربية /باريس