اخبار العراق الاخبار الاخبار المحلية

حكومة بغداد ترفض الانتخابات المبكرة

تواصلت أمس، لليوم الرابع على التوالي، في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية، الاحتجاجات الشعبية الداعية إلى رحيل حكومة عادل عبد المهدي. وعلى رغم تحذير رئيس الوزراء، أول من أمس، من تعطيل العمل أو الدراسة تحت طائلة «العقاب الشديد»، إلا أن طلاباً في المدارس والجامعات تحدّوا التحذير الحكومي، وخرجوا إلى الشوارع، بعدما دعت «نقابة المعلمين العراقيين» إلى إضراب عام تضامناً مع المتظاهرين حتى نهاية الأسبوع الجاري.

وتراجعت أمس، كما في خلال يوم الأحد، حدّة أعمال العنف بين القوات الأمنية والمتظاهرين، لكن مع ذلك أفيد عن سقوط 6 قتلى وأكثر من 100 جريح في اشتباكات بين الطرفين في بغداد، وقتيل سابع و53 جريحاً في كربلاء، ليرتفع بهذا عدد ضحايا الموجة الثانية من الاحتجاجات، منذ يوم الجمعة الماضي، إلى 82 قتيلاً. واضطرت السلطات العراقية، بفعل تلك التطورات، إلى إعلان حظر التجوال في العاصمة، اعتباراً من منتصف ليل الإثنين – الثلاثاء، حتى السادسة من صباح اليوم.
في هذا الوقت، واصلت السلطات العمل على محاولة امتصاص غضب الشارع، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبيل الشهر الحالي. وفي هذا الإطار، أعلن مكتب رئيس الوزراء جاهزية الأخير للتعديل الوزاري بمجرد عقد جلسة برلمانية للتصويت عليه. لكن لا يبدو – إلى الآن – أن في يد عبد المهدي القوة اللازمة لإجراء التعديل، خصوصاً في ظلّ تلقّي رئاسة البرلمان طلبات استجواب لرئيس الوزراء وأربعة وزراء هم النفط والكهرباء والمالية والصناعة. ومن المقرر أن يتم استجواب وزيرَي النفط والصناعة الشهر المقبل بعدما «تم استكمال الإجراءات من الناحيتين الشكلية والموضوعية»، وفق ما أعلن أمس رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي. ويعني ذلك أن موقف عبد المهدي سيكون أكثر حراجة، ولا سيما أنه كان قد فشل، عقب الموجة الأولى من الاحتجاجات، في تمرير تعديله الوزاري.

دعا الصدر إلى انتخابات نيابية مبكرة من دون مشاركة الأحزاب الحالية

وما يزيد من تعقيد الوضع أمام عبد المهدي هو الموقف «السلبي» الذي يتخذه زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، على رغم استمرار شراكته في الحكومة، واكتفائه إلى الآن بالإيعاز إلى الكتلة البرلمانية المدعومة منه بالتحول إلى المعارضة، في خطوة أثارت استهجان شركائه في الائتلاف الحكومي. ويوم أمس، وفي مقترح سارعت الحكومة إلى رفضه، دعا الصدر إلى انتخابات نيابية مبكرة بإشراف أمميّ، و«من دون مشاركة الأحزاب الحالية إلا من ارتضاه الشعب»، في استثناء لم يوضح مقصوده منه. كما انتقد القرارات التي اتخذها البرلمان يوم أمس، واصفاً إياها بـ«الصورية» وبأنها «لم تتطرق إلى محاسبة الفاسدين». وكان البرلمان صوّت على حلّ مجالس المحافظات، وإلغاء مخصصات مالية وامتيازات للرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس النواب وكبار مسؤولي الدولة، فضلاً عن تشكيل لجنة، «تمثل كافة المكونات»، تتولى مهمة إجراء تعديلات على الدستور، وتسليمها إلى البرلمان خلال مدة لا تتجاوز 4 أشهر.

الاحتجاجات متواصلة: عبد المهدي لن يستقيل

بغداد | الوصول إلى «ساحة التحرير»، وسط العاصمة بغداد، ليس بالأمر الصعب. الطرقات سالكة. شبّانٌ وشابات في طريقهم إلى هناك، حيث المكان الأوحد للتظاهر، على عكس التظاهرات الماضية التي شهدتها معظم الساحات والطرق البغدادية. هتافات الذاهبين إلى الساحة بسيارات «التاكسي» ليست كما العائدين منها على «التكاتك» (جمع تُكتك). الإحباط مرسومٌ على وجوه شباب فرّقتهم الغازات المسيّلة للدموع، والتي ألقاها عناصر من القوات الأمنية المختلفة، وتحديداً جهاز «مكافحة الإرهاب» الذي انتشر فجر أمس في معظم شوارع العاصمة. المواجهات المستمرة تأخذ طابعاً تصاعدياً، بدءاً من الساعة الثانية عصراً. البعض يفضّل مشاهدة ما يجري على جسر الجمهورية من على ضفاف نهر دجلة. شبّان غاضبون أضرموا النيران على الجسر، في ظلّ عجزهم ــــ حتى الآن ــــ عن الدخول إلى «المنطقة الخضراء». الخوف هو الشعور المتقاسَم بين مختلف القوى السياسية: أمنياً من انفلات الأمور والذهاب إلى الفوضى الشاملة، وسياسياً من العجز عن الخروج من الأزمة، في ظلّ التلويح بإضراب قد يكون مفتوحاً، ووسط دعوات إلى أن يكون الاثنين أوّل أيامه.

 
حتى الآن، بلغ عدد من سقط منذ بداية التظاهرات الأخيرة 74 قتيلاً و3654 جريحاً، وفق «المفوضية العليا لحقوق الإنسان». القوى الأمنية تؤكد أن الضحايا من صفوف الطرفين، الأمنيين والمتظاهرين. وهم سقطوا نتيجة الإصابات المباشرة بالقنابل الدخانية والمسيلة للدموع، إضافةً إلى الاقتتال الذي وقع في بعض المحافظات الجنوبية، التي شهدت أمس حظراً للتجوال، فيما تصفها مصادر عاملة في مكتب رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بالمناطق الأقرب إلى أن تكون «قنابل موقوتة»، حيث بات الجميع متأهّباً لمواجهة «من سيقتله»، في انجرار واضح إلى «فتنة» يحمّل قائدا «تحالف الفتح»، هادي العامري وقيس الخزعلي، الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية الوقوف وراءها. عملياً، لا يمكن لأحد الآن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور. صحيحٌ أن العمل جارٍ على ضبط الشارع، في ظلّ انزعاج يُنقل عن «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) مما جرى في اليومين الماضيين، إلا أنه بات واضحاً أن هناك من يعرقل بعض التفاهمات داخلياً وخارجياً. الولايات المتحدة الأميركية، التي أعربت عن دعمها لحكومة عبد المهدي قبل أيام، يُنظر إلى دورها في بغداد بعين الريبة، في ظلّ استمرار تحشيد الشارع من قِبَل منظمات المجتمع المدني التي تنادي بسقوف سياسية عالية. أما زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، والذي أعلنت كتلته النيابية الانتقال إلى صفوف المعارضة إلى جانب الكتلة التابعة لـ«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«كتلة النصر» بزعامة حيدر العبادي، فينُظر إلى حراكه السياسي وتموضعه الحالي بالكثير من الاستهجان؛ إذ كيف يُعقل وضع رِجلٍ في الحكومة وأخرى في المعارضة؟ بحسب منتقديه. ثمة اليوم من يحمّل الصدر مسؤولية ما آلت إليه الأمور؛ كونه يسعى إلى كسب المزيد من المناصب داخل مؤسسات الدولة وفق البعض، فيما يرى آخرون أنه عازم على إقالة الحكومة الحالية ورئيسها، لكن مصادر عبد المهدي تؤكد أن «لا استقالة واردة حالياً»، معتبرة ذلك «هروباً من مسؤولية جسيمة».
إزاء الأداء السياسي للصدر، تُطرح تساؤلات حول خيارات بقية القوى المشاركة في الحكومة، وخصوصاً منها تحالف «الفتح»، فهل سيدير الأخير ظهره لشريكه في الائتلاف الحكومي، ويمضي في دعم عبد المهدي مهما كلّف الأمر؟ ثمة محاذير دون ذلك؛ أبرزها أن الحكومة والحال هذه ستكون محظيّة بغطاء سياسي من طيف واحد هو «الفتح»، لكن الذهاب إلى التفاوض مع الصدر من أجل تكريس اتفاق جديد من شأنه هو الآخر تكبيل الحكومة، التي تعاني أصلاً من حالة شلل لعدم إنجاز أحد أبرز برامج عملها، أي حسم الدرجات الخاصة (6000 درجة)، بفعل المحاصصة الحزبية والطائفية. الحديث عن اتفاق جديد بين «الفتح» و«سائرون» هو حديثٌ عن سنة أخرى لعبد المهدي، في تكرارٍ لسيناريو السنة الأولى من ولايته، مع ما تخلّلها من شدّ وجذب وعجز عن الإنجاز. وفي هذا الإطار، تتساءل قوى «الفتح» عن سبب تحميلها هي وعبد المهدي، فقط، مسؤولية الفساد المستشري في مؤسسات الدولة منذ عام 2003، علماً بأن القوى السياسية المختلفة التي تنادي اليوم بالإصلاح «هي نفسها التي عطّلت الكثير من الإجراءات لعدم نيلها حصة من الكعكة»، كما تعبّر مصادر «الفتح».