المقالات

ترابط استراتيجية الشرق الأوسط والانزواء الأمريكي في البحث عن انتصار

ترابط استراتيجية الشرق الأوسط والانزواء الأمريكي في البحث عن انتصار

وبين عقيدة ادرأه ترامب القائمة على اللاقانون يلجأ ترامب الى الكذب!

الى وقت قريب كانت تبدو الدول بالنسبة للعالم الغربي وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية ومراكز دراساتها على انها مستعمرات. ويطرح من قبل هذه المراكز البحثية الدراسات الاستراتيجية لتعزيز وتقنيين السيطرة والتبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة على هذه البلدان وممارسة عملية الاستغلال والانتهازية من دون أي وازع أخلاقي من قبل هؤلاء الباحثين اللذين يقدمون الخطط والبرامج البحثية في كيفية اسقاط هذه الدول على مختلف الصعد.

فكما بشر ادم سمث أحد أبرز مفكري الرأسمالية القديمة بزيادة الإنتاج عن طريق الاستيلاء على الأراضي والبراري والسهوب التي احتلها المهاجرون الأوربيين الى الأرض الجديدة [الولايات المتحدة] وحولها الى مزارع منتجة ومنتجعات مربحة ومرور المرحلة التاريخية المظلمة من الرأسمالية القديمة وظهور ما يعرف بالاستعمار القديم الذي جاب البحار ليحط الرحال في الأماكن التي ينزل فيها .والجميع يعلم ان التاريخ حافل بحركات المقاومة التي قامت في تلك البلاد لغرض التخلص من هذا الاستعمار ليتم الانتقال الى مرحلة جديدة من الاستعمار الحديث القائم على التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية لكن الجديد انه في القرن الواحد والعشرين ظهور ما يعرف التبعية المالية والتي شملت جميع البلاد سواء الاستعمارية او المستعمرة فكيف نمت هذه التبعية المالية وعلى أي أسس تطورت ؟

هذا يعيدنا الى ضرورة التمييز بين الرأسمالية القديمة والرأسمالية الحديثة فالأخيرة يعزوها الباحثين الى ميلتون فريدمان فبعد ان انتهى عصر تقاسم العالم بين الدول الاستعمارية كان من المحتم والضروري للنظام الرأسمالي البحث عن طرق لاستمرارية حركة رأس المال وتصديره وزيادة نقاط توسعه ونفوذه فطرح ما يعرف بالعلاج بالصدمة او عقيدة الصدمة عن طريق استغلال الكوارث الطبيعية او الحروب لاستعادة السيطرة على الأراضي ذات الأرباح الوفيرة وعرض مؤسسات تلك الدول المجتاحة وبيعها تحت نظام الخصخصة من قبل فئة قليلة من أبناء تلك الدول اللذين يوفرون العلاقة بين راس المال الداخل الى البلد وتبعية المؤسسات التي دخلت نظام الخصخصة واستشراء الفساد الذي يؤدي الى انعدام سلطة القانون لان ما يقف بالضد من عقيدة فريدمان هي القوانين الدولية ولغرض التخلص من هذه القوانين شرعنه الحرب ليتم اجتياح الدول واسقاط سلطة القانون فيها ليتم بيعها ومؤسساتها في مزاد علني بين اتحادات مشبوهة تختبئ خلف ممثلين باسم تلك الدولة المجتاحة فتفتح أبواب الدولة الوطنية امام البنوك والشركات التي تدخل مع مجموعة من الملياردرية من أبناء تلك الدول اللذين تكونوا حديثا وهذا ما حدث للكويت بعد الاجتياح العراقي والاحتلال الأمريكي للعراق وقبله الاحتلال الصهيوني لفلسطين .واشكالية فلسطين خير دليل على ذلك حيث كما هو معروف ان ثيودور هرتزل طالب من روتشيلد لأنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين والذي بدوره وفر له الميزانية المالية التي تمده بالحياة ..

واستطرادا على ما سبق، في عصرنا الراهن من خالف عقيدة الصدمة الامريكية لفريدمان هي الجمهورية الإسلامية في إيران فإيران أيام الشاه قبل عام 1979 كانت منفتحة على الغرب وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وعمليات تسهيل بيع النفط لكيان الصهيوني كانت من أولويات نظام الشاه. لا انه بعد عام 1979 وقيام الثورة في إيران واسقاط نظام الشاه تغير الوضع بالكامل حيث تم تصفية جميع خيوط ترابط الأنظمة الرأسمالية على الأراضي الإيرانية من حيث ان البديل الذي قام بملا الفراغ في إيران بعد نظام الشاه ليس رؤوس الأموال للشركات المتعددة الجنسيات وانما شريعة إسلامية وضابط أخلاقي يقوم أساليب تعامل هذه الشركات أيضا. وبالعودة الى موضوع مضيق هرمز وما يحدث في هذه البقعة الجغرافية

الاستراتيجية وفق القانون الدولي للبحار هو حق إيراني بحت لان مضيق هرمز يقع ضمن الحدود الإيرانية البحرية ومسؤوليتها حماية امنها الاقتصادي في حالة تعرضها لضغوط تهدد امنها بشكل عام وبل من حقها ان تقوم بإيقاف العمل في هذا المضيق لعدة أيام هذا اذا ما علمنا ان اكثر من 20 ناقلة تجارية وبينها اربع ناقلات عملاقة تمر يوميا من هذا المضيق التصعيد الإيراني هذا جعل الولايات المتحدة تعاني من ايران لأنها استطاعت ان تخلق التوازن بين ايران كمحور مقاوم ظم لبنان وسوريا والعراق وقيام هذا المحور بتضييق الخناق على بؤرة التوتر في الشرق الأوسط الا وهي الكيان الصهيوني من جهة والتعاضد بين الأنظمة المالية والسياسية والصناعية الذي انتج الكيان الصهيوني .

ترتب نتائج أبرزها تعرض هذه الكيان الى الضغوط الوجودية سواء من قبل الجبهة اللبنانية المتمثل بحزب الله او ضغط الجبهة السورية وإعادة الجبهة العراقية الى الواجهة ضد هذا الكيان واضافة الى تظافر الجبهة اليمنية أيضا بالإضافة الى الجبهة الإيرانية لذلك فان الولايات المتحدة قد تكون مجبرة على خوض حرب لا تريدها بعد استنفاذ كل الحلول الأخرى دفاعا عن الكيان الصهيوني بحكم ادخال الكيان الصهيوني ضمن الامن القومي الأمريكي وفق اتفاقيات عقدت بين الجانبين والامر يختلف عندما تخوض الولايات المتحدة حربا لا تريدها لأنها لا تعلم كيف ستنتهي واي نتائج ستترتب على هذه النتائج التي ستكون محكومة بأسباب نشوء هذه الحرب اذن لجوء الرئيس الأمريكي الى الكذب في اسقاطه لطائرة إيرانية صغيرة من دون طيار هو محاولة ترامبية للاختباء الهزلي لغرض مد عنقه من الخناق الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة وترسانتها المتعددة المهام باختلاف المواقع .

ولغرض فهم أكثر لتطورات الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة بالنسبة لهذه المرحلة التاريخية الراهنة نلاحظ عدة منعطفات طرأت على السياسة الدولية منها:

1) ميل ميزان القوى لصالح دول محور المقاومة ضد الكيان الصهيوني تمثل في الانحسار الأمريكي –الصهيوني – الخليجي المتمثل بالمملكة العربية السعودية والامارات والبحرين وانتقال هذا الانحسار من مرحلة الهجوم الى الدفاع.

2) انحسار وانكماش في دور الدبلوماسية الامريكية على المستوى الدولي من خلال انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات دولية عديدة واخرها الانسحاب من معاهدة الملف النووي الإيراني مما اظهر الولايات المتحدة في موقف الدولة المارقة التي تخترق القانون الدولي وتعريض السلم العالمي الى الاحتكاك الخطر بسبب عدم احترامها للمواثيق الدولية مما ساعد على ابراز ظاهرة ’’بروز عناصر الضعف الشاملة للولايات المتحدة ’’ والذي نلمسه في تصادم الإدارة الامريكية فيما بينها وعدم قدرة مراكز الدراسات البحثية والاستراتيجية على احتواء كم الخطط وما يعرف بالعقيدة كعقيدة بوش وشعاره الشرق الأوسط الجديد واوباما وعقيدة الارتباط والانخراط وعقيدة ترامب ومكافحة الإرهاب كل هذه الاستراتيجيات الامريكية أصبحت سلاح ذو حدين وتتقاطع فيه الدول وفق القانون الدولي بما يخالف الولايات المتحدة .

3) ظهور بريطانيا كعامل مربك وانفصالي فهو من جهة يعلن انسحابه من الاتحاد الأوربي ومن جهة ترتفع نسبة سوء التفاهم مع إدارة ترامب وهذه الازدواجية قد تعود في جذورها الى الأصول المالية التي تربط بريطانيا بالولايات المتحدة وتحول هذه الأصول في مرحلة تاريخية معينة من بريطانيا الى أمريكا والتي تطورت هذه الأصول المالية على يد شركات متعددة الجنسيات مما يبرز ضغط العامل المالي بقوة. في كل الأحوال ما قامت به بريطانيا هو موازنة الدور الأمريكي الذي صفع بأسقاط الطائرة الامريكية عند اختراقها الحدود الجوية الإيرانية مما يظهر القرصنة البريطانية تجاه الخصوم فتخرق بريطانيا القانون الدولي علنا مما يظهر العمى الذي أصاب الدولتان

الامريكية والبريطانية والاستهتار في الدخول في هكذا منعطفات بربرية اخرج للسطح العفن التاريخي البريطاني.

4) تحقق ما كانت تخشاه الولايات المتحدة قبل وبعد الحرب الباردة وهو بروز روسيا مساند للعرب وايران فوقفت روسيا في خندق واحد في سويا الى جانب ايران واشتركت في العراق في غرفة عمليات واحدة ظم العراق وايران وسوريا بالإضافة الى روسيا وطالبت الصين في الأسابيع الماضية بالانضمام الى هذه الغرفة فواجه الجميع خطر ما عرف بداعش والنصرة وكل الجماعات التكفيرية .وبالتالي فان في حالة نشوب حرب في منطقة الخليج فان روسيا ستكون اول من يقف ضد هذه الحرب هذا من جانب .من جانب اخر الولايات المتحدة في وضع لا يسمح لها بخوض حرب وخاصة بعد حرب فيتنام وبالتالي فان من يدفع بحرب الوكالة ويختبئ خلفهم هي الكيان الصهيوني وما تداخل الأدوار بين البريطاني والامريكي والفرنسي والألماني الا ويحمل الطابع الاقتصادي المالي الضاغط الذي اخذ ينتعش في تبعية اقتصاديات هذه الدول التي تحاول الخروج عن طريق إيجاد اليات مالية جديدة بعيدة عن الاليات المالية الامريكية

5) تصاعد نمو الصين الاقتصادي على الصعيد العالمي الذي رفع منسوب الامتعاض الأمريكي من جهة، ومن جهة ثانية محاولة الاتحاد الأوربي إيجاد نقطة استراتيجية الا وهي إيران ليبقى الاتحاد الأوربي قوة سياسية واقتصادية كبرى لأنه في حقيقة الامر يبقى الاتحاد الأوربي محل جدل بالنسبة للولايات المتحدة في بقاءه حليف أساسي ورئيسي للولايات المتحدة.

6) الملاحظ بعد فرز حقيقة المواقف العالمية في ارض الشرق الأوسط وخاصة بعد مرحلة ما عرف ب ’’ الدولة الإسلامية ’’ داعش وضحت أدوار الدول التي كانت فاعلة في أزمات الشرق الأوسط سواء إقليمية او عالمية حيث كان من نتاج هذا التفاعل [تركز معضلات تعطيل الامة] وإعادة انتاجها وخاصة ما يتعلق بالصراع العربي ا-الصهيوني او إعادة انتاج مشاكل للعراق من حلال ضرب مراكز المقاومة العراقية وإعادة تأهيل العامل الكردي كمعوق للاقتصاد والتوازن الداخلي العراقي والإقليمي وتدخل الخزانة الامريكية بإصدار عقوبات على شخصيات عراقية عاملة على الساحة العراقية وفي سوريا محاولة الولايات المتحدة إعادة تأهيل جبهة النصرة كقناة رسمية واخراجها من دائرة الإرهاب وتأجيج مشاكل اجتماعية في لبنان سواء من قبل وليد جنبلاط او اخرها قانون العمل الذي مس بشكل أساسي الفلسطيني في لبنان اكثر من غيره

الخلاصة:

التحالف المالي –السياسي –الصناعي تحسب عليه نقاط تراجع ويمارس عملية الهروب من الانهيار الذي يقود الى الحرب فتوزع المشكلة بين تهريج ترامب واعلانه الأكاذيب وبريطانيا المتخبطة وفرنسا المنضبطة الباحثة عن بؤر تفاهم .والا ماذا نستطيع ان نفسر قيام دولة تسمي نفسها دولة عظمى وتطرح ما يعرف ب صفقة القرن من يد تلميذ فاشل مثل كوشنر فتلجأ هذه الدولة العظمى وتلميذها الفاشل الى وزير خارجية البحرين خالد بن احمد ال خليفة وسمنته المفرطة ’’كماركة للدعاية’’ هذه الدعاية التي لم تأخذ حيزا يتعدى خارطة جسم وزير الخارجية البحريني نفسه.

انه عالم سياسي يحوي من الخواء المفرط ما يكفي ان يعلن عجزه الكامل.

الدكتور : عامر الربيعي

مدير مركز الدراسات الاستراتيجية العربية -الاوربية /باريس