الاخبار الاخبار السياسية

جنبلاط أعدّ كميناً لباسيل… فأصاب ارسلان: فتنة الزعامة المأزومة

عاد وليد جنبلاط إلى لعبة يهواها، رغم أنها لم تعد في أوانها. ذلك زمن مضى. عندما أراد السيطرة أمنياً على الجبل، سبقته الدبابات السورية. وعندما غامر مرة جديدة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، كان يظنّ أن أساطيل الأمبراطورية الأميركية ستؤازره. اليوم، يقف وحيداً، مصرّاً على إنكار الواقع. الزمن لن يعود إلى الوراء. لكن جنبلاط، في زمن السلم، وبعد فائض من «المصالحات» في الجبل، قرر أمس أن يقول للجميع إن «الجبل لي وحدي».

فتنة الزعامة الآفلة

عاد وليد جنبلاط إلى لعبة يهواها، رغم أنها لم تعد في أوانها. ذلك زمن مضى. عندما أراد السيطرة أمنياً على الجبل، سبقته الدبابات السورية. وعندما غامر مرة جديدة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، كان يظنّ أن أساطيل الأمبراطورية الأميركية ستؤازره. اليوم، يقف وحيداً، مصرّاً على إنكار الواقع. الزمن لن يعود إلى الوراء. لكن جنبلاط، في زمن السلم، وبعد فائض من «المصالحات» في الجبل، قرر أمس أن يقول للجميع إن «الجبل لي وحدي». سيطرته المسلّحة على عاليه أمس، بدت عرض قوة في غير زمانه، إذا ما اعتُبِر أن الهدف منها هو تثبيت شيء من التوازنات الطائفية في البلد. فلا قوة تبدو آتية لتعيد لجنبلاط ما خسره تباعاً منذ خروجه من حلفه مع سوريا. حتى عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011، ووصل ما انقطع بينه وبينها، لا يمكنهما إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لكن من يعرف جنبلاط يُمكنه أن يتوقّع أن الهدف من عراضته لم يكن ربما الوقوف في وجه جبران باسيل، بقدر ما هو تخويف آل فتوش من مغبة الاستمرار في بناء معمل لهم في عين دارة، سينافس معمل جنبلاط في سبلين! ولا ضير في توتير البلاد، وإعادة أهلها إلى أجواء الحروب، وسقوط ضحايا وتقطيع أوصال الجمهورية. المهم ألا تُمس امتيازات البيك الذي لم يعد له من يسلّيه. وبدلاً من تأمين وراثة هادئة لابنه تيمور، تراه «يخانق» ظلّه إن لم يجد ما «يخانقه». يرفع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» من منسوب الأيديولوجيا والسياسة في خطابه، فيما همّه الأول شحّ الموارد المالية التي تمكّنه من الاستمرار في مراكمة الثروة والانفاق السياسي. وصل به الأمر إلى حد اعتبار موقع معمل ترابة الأرز في عين دارة «موقعاً عسكرياً متقدّماً للنظام السوري وحلفائه في الجبل. وكما لم يسقط الجبل في الحرب، لن نسمح بسقوطه سلماً». هذه العبارة نقلها عنه عدد من المقربين منه في الأسابيع الأخيرة. الرجل الشديد التطيّر يعتبر خسارته رئاسة بلدية في إقليم الخروب قراراً دولياً بمحاصرته. ولأجل مواجهة هذا «القرار»، لا بد من تنفيذ مناورة بالذخيرة الحية، ولا بأس إن سقط فيها قتيلان وجرحى حالتهم حرجة، وكاد يُقتَل وزير. رفع من مستوى التوتر بين أنصاره ومحازبيه، إلى حدّ انتشارهم أمس بكامل أسلحتهم، لمنع جبران باسيل من دخول كفرمتى. ولم يكن القرار ابن ساعته، ولا رد فعل على الخطاب المتهوّر لباسيل في الكحالة. قبل يومين، رُميت قنبلتان صوتيتان في كفرمتى. وعلى مدى الأيام الأربعة السابقة ليوم الأحد، كانت تقارير الأجهزة الامنية تفيض بمعلومات عن نية الجنبلاطيين منع باسيل من القيام بجولته في عاليه، بقوة السلاح.

تقارير الأجهزة الامنية تحدّثت قبل أيام عن نية الجنبلاطيين منع باسيل من القيام بجولته، بقوة السلاح

على المقلب الآخر، يلاقي التوتر الباسيلي مثيله الجنبلاطي. التزاماً منه بالمسار الذي اختطّه لنفسه في السنوات الماضية، يستمر باسيل بخوض المعارك، أيّ معارك. صار رئيس التيار الوطني الحر معركة متنقلة. يزور المناطق كمن يقول «أنا فاتحها» لا مسؤولاً في الدولة المسؤولة عنها، ولا رئيس حزب يريد توسيع قاعدة انتشاره. يخوض المعارك تعويضاً عمّا فاته في حرب أهلية لم يشهدها. يريد تثبيت زعامته بين «أعضاء نادٍ» بنوا «شرعياتهم» إما على القتل أو القتال أو الدم. لا يريد باسيل القتل، ولم يأتِ على دم. فلا بد من القتال الدائم. وقوده شحن طائفي لا حدّ له. منذ لحظة دخوله السلطة عام 2008، حتى اليوم، لم يكفّ عن خوض المعارك. معركة في الحكومة، معركة في الوزارة، معركة في الإدارة، معركة في البلدية، معركة في العائلة، معركة في الحزب، معركة في الإعلام، معركة في مجلس النواب، معركة «لاستعادة الحقوق»، ثم أخرى لتثبيتها… معركته في «حراس الأحراج» كمعركته الرئاسية. الادوات نفسها، والحشد الطائفيّ نفسه، والخطط هي هي. لا يكل ولا يملّ. لا يعني ما تقدّم أنه مقاتل في مقابل جيش من السلميين، ولا أنه طائفي يواجه علمانيين. على العكس من ذلك. أقصى ما يبتغيه هو تثبيت نفسه واحداً «منهم»، قبل الانتقال إلى معركة الفوز بالمركز الاول بينهم. وفي سياق الوصول إلى ذلك، لا بد من يأخذ الشحن الطائفي مداه. في الكحالة أمس، ذكّر بمعارك سوق الغرب وضهر الوحش والكحالة. هو من الذين لا يكفون عن التبشير بضرورة «طيّ صفحة الماضي»، لكن من دون الكف في الوقت عينه عن استحضار ذلك الماضي، ولو في غير سياقه المناسب. يذكّر بصفحات دامية فيما هو يتحدّث عن التفاهم. بالتأكيد، ليس كلام باسيل هو ما استفزّ جنبلاط. لكن أداء وزير الخارجية يساعد زعيم المختارة على الزعم أمام الدروز أنه يحمي مصالحهم المهدّدة منذ ما قبل أيام بشير الشهابي، تماماً كما أن العراضة الأمنية الجنبلاطية والجريمة الناتجة عنها تفيدان باسيل في بناء سرديته كزعيم مسيحي مستهدف، وخاصة من قبل «العدو التاريخي للمسيحيين» في الجبل.
ما جرى أمس لم يكن حدثاً أمنياً عابراً. ثمة زعامة تتراجع، وأخرى صاعدة. الاولى يمثلها جنبلاط، المستعد للتضحية بأيّ شي وأيٍّ كان لاستدراج الحماية، أما الثانية، فلم يعد مؤمّلاً منها وقف مسار الانحدار نحو قاع طائفي لا قعر له. جل ما في الأمر هو تمنّي تحقيق أهدافها بسلام. فالرؤوس الحامية لا تلد غير الفتن.

حسن عليق

الكانتونات التي لم نغادرها

ما حصل في عاليه لم يكن خطيراً بالمعنى الأمني فحسب، بل خطيراً بمعنى مفهوم الكانتونات الذي يفترض أن تكون القوى السياسية قد تخلت عنه بعد انتهاء الحرب واتفاق الطائف. والحشد العسكري الذي واكب جولة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، والتدابير الأمنية والعسكرية التي اتُّخذت، ومشاهد إطلاق النار، أعادت اللبنانيين إلى الثمانينيات. لكن خطورة ما جرى لا تنعزل عن سياق يتكرس في كل لبنان، بحيث باتت المناطق بعد الحرب ترسّخ أكثر فأكثر فكرة التقوقع الطائفي.

قد تكون جولات باسيل فضحت الرفض الشعبي للتيار في مناطق يزروها، ولأدائه الشخصي والسياسي. وهو يساهم في معظم الأحيان باستفزاز القوى السياسية لمجرد أنه يزور مناطق تعتبرها «لها»، ولأنه لم يعد يعبأ بالحملات ضده، ويقول كلاماً يمكن تجنبه ويستمر في جولات تثير ردود فعل هو والبلد في غنىً عنها. لكن هذه الردود التي تحصل وتتنقل من منطقة إلى أخرى، تعبّر أيضاً عن واقع مأزوم يعبّر عن نفسه طائفياً.
لم نرَ بعد الحرب وبعد عام 2005 سوى مزيد من التقوقع الطائفي والسياسي، يغذيه كثير من السياسيين. بهذا المعنى يصبح ما يحصل في الحدت وفي غيرها من البلدات، واقعاً وليس مجرد نزوة أو كسر للتعايش المشترك، لأن معظم المناطق تعيش الواقع نفسه لأسباب دينية واجتماعية وسياسية، من الشمال إلى جبل لبنان والبقاع والجنوب. فقد جرت محاولات لتغيير وجه طرابلس شمالاً ذات الواقع التعددي، لتصبح مدينة بهوية واحدة، كما حصل في صيدا قبلها. وما يحصل في بعض مناطق الجنوب والبقاع أليس انكماشاً طائفياً واضحاً؟ ومحاولات المسيحيين لمنع البيع لغير المسيحيين أليست تعبيراً عن أزمة، كما امتناع المسيحيين عن العودة إلى الجبل؟والأكيد أن حادثة أمس سترتدّ مزيداً من تراجعهم عن البقاء فيه.
إلا أنّ ما يجري ليس نتيجة شعبية، إذ إن كل قوة سياسية تعتاش من التوتير الطائفي لتحافظ على نفوذها، وكأنها تؤمن بأن ما يجمع اللبنانيين اجتماعياً وسياسياً وثقافياً لم يعد نفسه. هكذا يحصل في مواضيع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وعرسال والتعيينات وقانون الانتخاب.
لماذا لم نرَ الرئيس نبيه بري يجول في مناطق مسيحية، حتى لو كانت جنوبية أو بقاعية؟ ولماذا لم نسمع رئيس الحكومة سعد الحريري يجول إلا في مناطق الطريق الجديدة وطرابلس وصيدا؟ إذا افترضنا أنه لا يمكن السؤال لماذا لا يزور أحد من حزب الله أي منطقة سُنية خشية الاستفزاز. ولماذا لا يمكن رئيسَ حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أن يجول في غير قضاء بشري؟ حتى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، معتكف في قضائه وبلدته؟ ولماذا لم نشهد زيارات لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي خارج الجبل؟ كل ذلك أليس استكمالاً فجّاً لحرب ما قبل الطائف؟
والسؤال استطراداً، لا يتعلق بالشحن الطائفي، بل أيضاً المذهبي. لماذا اعتبرت القوات اللبنانية أنها استُفزَّت حين زارها باسيل، هل لأن بشري حصراً للقوات ولا يمكن أحداً دخولها؟ الحملة التي ردّت بها القوات على زيارة باسيل تعبّر عن مأزق، ليس من جهة «تسخيف» جولة باسيل وعدد مستقبليه ولعبه على التناقضات العائلية، بل في أن القوات لم ترَ مشكلة في أن يزور مناطق أخرى في الشمال أو البقاع أو بيروت، فلا تعتبر نفسها مستهدفة إلا حين يزور بشري. ومثله ما حصل في زغرتا حيث اعتبرت زيارة باسيل لها حرتقة على زعامة فرنجية.
كل ذلك في كفة، وما حصل في عاليه كفة أخرى. وكل «أخطاء» باسيل في كفة، واستفزازاته وحادثة كفرمتى ومنطقة بحمدون في كفة أخرى. لأنها تحديداً كفرمتى ومنطقة بحمدون للأسباب المعروفة وما تمثله في حرب الجبل. ليس أمراً عادياً بعد كل المصالحات التي جرت، وآخرها القداس في دير القمر، أن يحصل ما حصل، وأن يجري استخدام حرب الجبل مجدداً عند كل أزمة سياسية، واستعادة لمشاهد تزيد من التقوقع الطائفي وتعيد تسليط سيف الحرب موثقة بمشاهد وشعارات وألفاظ وتعابير.
الخوف الذي شعر به أهل المنطقة أمس، من المسيحيين تحديداً، بدا تعبيراً عن شعور بأنه ممنوع على أيّ زعيم لهم أن يزور الجبل إلا برضى جنبلاط. لكنه لم يكن خوفاً «عونياً»، ولا «باسيلياً». لأن من استذكر حرب الجبل ممن عايشوها، ليسوا عونيين ولا يمتّون إلى باسيل بصلة. خطورة توتر الجبل أنه لن يُسحب سريعاً من التداول، وخطورته أيضاً أنه سيكون موضع استغلال من الطرف المستهدف ومن الذين سيزايدون في مجاراة من قام به ضد باسيل. وهذه حلقة لا تنتهي. فالعونيون، ومنهم نواب ووزراء، بالغوا في المرحلة الأخيرة في رفع منسوب «معنوياتهم» ضد الحزب التقدمي الاشتراكي، مستفيدين من غطاء العهد وباسيل، ومن الخلاف بين رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، ومستغلين بعض الأصوات المسيحية النشاز في الجبل والتضييق على جنبلاط حكومياً وإدارياً. لكن ردّ فعل مناصري الاشتراكي لا يمكن في المقابل أن يصبّ في خانة خلاف سياسي: إنه مشهد درزي مسيحي، تخطى بأميال كثيرة مصالحة البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير، وحكمة من قاموا بها، بمن فيهم جنبلاط. وهذا أسوأ ما يحصل، قبل أن يسقط ضحيته مرافقان للوزير صالح الغريب، لأن المشكلة ستبقى أنها وقعت بسبب جولة باسيل، الزعيم المسيحي في عهد قوي وفي ظل جيش موالٍ للعهد. السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل كنا سنشهد مشهداً مماثلاً، لو قام الحريري بالجولة نفسها، في عزّ خلافه مع جنبلاط، وبعدما بلغ التراشق الكلامي بينهما حداً غير مسبوق؟ هل كان سيقطع مناصرو جنبلاط الطرق أمام الحريري، وسيقومون بغيرها من الممارسات التي فعلوها في وجه باسيل؟
كان يمكن باسيل أن يتفادى الجولة، بعدما وصلته أصداء مقلقة، بصفته رجل العهد ومسؤولاً سياسياً. وهو غادر عاليه كما غادر قبلها مناطق أخرى. لكن المسيحيين العائدين إلى الجبل باقون فيه، ولكن بغير المشاعر السابقة، وهم لن ينسوا بسهولة ما حصل أمس، وكذلك الدروز. ولا يمكن تحويل الجبل مجدداً ثكنة عسكرية لفرض الأمن وإشعار الناس بالطمأنينة. الأمر يحتاج إلى تواضع وحكمة. وبلا قفازات، يمكن القول إن الأثر السياسي والأمني لسقوط درزي برصاص درزي، لا يشبه ما ينتج من سقوط مسيحي على يد درزي أو العكس. هل يمكن تخيل مشهد كهذا؟ وهنا تكمن مسؤولية جنبلاط وباسيل، لأن حشر جنبلاط في الزاوية ارتدّ في المكان الخطأ على «الطرف الأضعف»، أي المسيحيين، لا التيار الوطني وحده. لكن بالنسبة إلى باسيل، هذا الطرف لم يعد الأضعف. والمسؤولية تقع على عاتق الجيش الذي من صلب مهماته استباق الحدث وتطويقه قبل أن يحصل، وتقديم نصائح بتفادي المطبات في أوقات حرجة. الجميع أمس كان غائباً عن المسؤولية، لأن ما جرى ليس حادثاً فردياً، بل كان يحتاج إلى تدخل فوري لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء لفرض سلطة الدولة، إلا إذا كان الهدف الحقيقي إبقاء النار مشتعلة ودفع كل فريق طائفي إلى التعلق بزعيم طائفته. هذه النتيجة تحققت.

هيام القصيفي

شهيدا الكمين الجنبلاطي لن يُدفنا… حتى توقيف القتلة!

نجح النائب السابق وليد جنبلاط في استدراج البلاد إلى توتر أمني وسياسي. كمينه المسلّح في عاليه، الذي استهدف وزير شؤون النازحين السوريين صالح الغريب، أدى إلى استشهاد اثنين من مرافقي الوزير (سامر أبي فراج ورامي سلمان)، وجرح آخرين. المستهدف بالتوتر الأمني كان وزير الخارجية جبران باسيل، لكن التوتر الجنبلاطي انفجر دموياً في وجه انصار الحزب الديمقراطي اللبناني. وبدلاً من شد عصب جمهوره طائفياً في وجه باسيل، بات على جنبلاط حمل وزر دم داخل طائفته.

فريق رئيس الجمهورية – التيار الوطني الحر – قوى 8 آذار الدرزية، مدعوماً بحزب الله، مصمم على الوقوف إلى جانب النائب طلال ارسلان، في مواجهة «محاولة اغتيال وزير نتيجة سعي جنبلاط إلى إقفال الجبل، ومنع وزير من زيارة منطقة، بسبب تفليسته السياسية التي يحوّلها إلى توتر امني»، على حد قول مصدر رفيع المستوى في التيار الوطني الحر. وبحسب مصادر معنية، فإن «عائلتي الشهيدين ترفضان دفنهما إلى حين تسليم الجناة المعروفين والذين ظهرت صورهم على الملأ في فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل». وأكدت مصادر فريق 8 آذار أن «ما جرى لن يمر مرور الكرام».
التوتر الأمني أمس، لم يكن وليد ساعته، بل بدأ التحضير له قبل أيام مع إلقاء قنبلتين صوتيتين في كفرمتى. الأجهزة الأمنية كانت قد نظمت تقارير تُفيد بأنّ الحزب التقدمي الاشتراكي يُحضّر لافتعال توتر شعبي، تزامناً مع جولة باسيل في القضاء، وهو ما أكده وزير الدفاع الياس بو صعب أمس. وقال بوصعب إنّه التقى وزير الخارجية في شملان التي كان يزورها، «لأنه كان لدينا معطيات أنه على تقاطع قبرشمون هناك تجمع وتشنج، كما وصلتني معلومات من الجيش أنّ البعض بلباس مدني، إنما يمكن أن يكون معهم سلاح في سياراتهم، وقد وضعنا الوزير باسيل في الأجواء».
بعد الكحالة وعدد من قرى عاليه، كان باسيل يريد الانتقال إلى كفرمتى ليلتقي شيخ العقل ناصرالدين الغريب والوزير الغريب. إلا أنّ إقفال الحزب التقدمي الاشتراكي الطريق، أدّى إلى بقاء باسيل في شملان التي قصدها الغريب. «وإنصافاً للحق والحقيقة، باسيل أخذ القرار بعدم المجيء إلى المنطقة قبل وقوع الإشكال، حرصاً منه على السلم الأهلي، وتم التوافق على تأجيل الزيارة إلى وقت لا حق حقنا للدماء»، على حد قول وزير شؤون النازحين. أثناء عودة الغريب إلى كفرمتى، كان يفترض به أن يمر بقبر شمون وعين كسور وعبيه. لكن بعدما تبين أن متظاهرين يقطعون الطريق في قبرشمون، عمد إلى تغيير مساره باتجاه الطريق الموازية في قرية البساتين، والتي تسمح بتخطي قبرشمون عبر مسارات فرعية، قبل أن يُفاجأ بقطع الطريق في البساتين أيضاً، وبالكمين الجنبلاطي المسلّح. حصل إطلاق نار أدّى إلى استشهاد مرافقين للوزير، وإصابة ثالث، فضلاً عن إصابة أحد مناصري جنبلاط. وقد نجا الغريب من القتل المحقّق، إذ إن سيارته أصيبت بنحو 14 طلقاً نارياً.
وكالة داخلية الغرب في «الاشتراكي»، أصدرت بياناً اتهمت فيه مرافقي الغريب باطلاق النار باتجاه المحتجين عشوائيا، «وتابع موكبه الطريق صعوداً باتجاه ساحة قبرشمون، حيث ترجّل مرافقان للوزير الغريب وعمدا إلى إطلاق النار باتجاه المحتجين أيضا بشكل عشوائي مما أدى إلى إصابة شاب من بين المحتجين، فردّ بعض من كان يحمل سلاحاً باتجاه مصدر النار دفاعاً عن النفس فسقط مرافقان للوزير الغريب».

الاشتراكي: مفتوح ضدّنا مشكل من قوى تُنفذ قراراً سياسياً كبيراً

ونفت مصادر «الاشتراكي» لـ«الأخبار» أن تكون قد اتخذت قراراً مُسبقاً بالتصعيد ضدّ باسيل، «فقد كنا في اليومين الماضيين على تنسيق عالٍ مع التيار الوطني الحرّ من أجل الزيارة، وأعطينا التوجيهات إلى المسؤولين والمناصرين، بتسهيلها. ولكن، المشكلة في الفريق الثاني، الذي إمّا أنّه لا يعرف المنطقة، أو أنّه مُدركٌ لحساسياتها وتاريخها ويريد جرّها إلى الفتنة. أمعقول أن يُصرّح أحد من الكحالة عن معركة سوق الغرب؟ ما يحصل جزء من مخطط لإيصال الأمور إلى هذا المستوى». وتؤكد المصادر أنّه من غير الوارد، بالنسبة للتقدمي الاشتراكي، حصول مواجهة درزية – مسيحية، «يوم أمس لم يحصل احتكاك مباشر مع موكب باسيل، فالتجمع الأساسي كان داخل كفرمتى. وحين وصل الوزير أكرم شهيب إلى المنطقة، كان قد توصل إلى اتفاق، بتأمين طريق فرعية لموكب باسيل، حتى يصل إلى المكان الذي يقصده داخل كفرمتى». أما بالنسبة إلى إطلاق النار على موكب الغريب، «فما كانت الدماء لتُسفك، لو لم يُبادر مرافقو الوزير إلى إطلاق النار». تصف المصادر الكلام أنّ «الاشتراكي» يرفض التنوع داخل الجبل بأنه «حكي بلا طعمة، وسولفة لا قيمة لها. توجد قوى تسعى إلى الفتنة، وبعدها تُحمّل المسؤولية إلى وليد جنبلاط، إذا دافعنا عن أنفسنا نكون نحن المخطئين؟ نحن نتعرض لحصار مفتوح ضدّنا مشكل من قوى تُنفذ قراراً سياسياً كبيراً، وربما تهدف بذلك إلى تقديم أوراق اعتماد إلى الخارج».
وبعد التطورات أمس، أجرى الرئيس ميشال عون اتصالات لضبط الوضع الأمني في عاليه، ودعا المجلس الاعلى للدفاع إلى اجتماع قبل ظهر اليوم في بعبدا. فيما أجرى رئيس الحكومة سعد الحريري سلسلة اتصالات مع كل من الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي وباسيل والغريب، ومدير المخابرات في الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان لتهدئة الوضع.
من جهته، قال الوزير محمود قماطي، بعد زيارته منزل النائب طلال إرسلان في خلدة، إنّ ما حصل «خطير جدّاً ويجب الحفاظ على الاستقرار في الجبل. العودة إلى الأعمال الميليشياوية، تُشكّل خرقاً للتوافق اللبناني، بحيث كدنا نفقد وزيراً من وزرائنا. وندعو لتوقيف الجناة فوراً ومحاسبتهم ووأد الفتنة». وبعد اجتماعه بارسلان والنائب سيزار أبي خليل والوزير غسان عطالله ووئام وهاب، أكد قماطي عدم قبول «أن تكون أي منطقة لبنانية مغلقة أمام أي مواطن لبناني، وحرية التعبير مكفولة بالدستور»، مشدداً على أنّ «عصر الميليشيات والحرب الأهلية والمناطق المغلقة ولّى… الخطاب السياسي، يجب أن يتحلّى بحرية التعبير، ولا يجب أن يواجه العمل السياسي بالعمل الميليشياوي». وأوضح قماطي أنّه «لا نتدخل في التحقيق، ولا في القضاء، نتدخل في عدم التأجيل والمماطلة، والجبل آمانة في عروقنا». وفي ما بدا اصراراً من جنبلاط على التصعيد، رد عضو «​اللقاء الديمقراطي​» النائب ​فيصل الصايغ​ على قماطي بأن «تهديدك المبطّن لا يخيفنا (…) وفائض القوة الذي تشعر به في خلدة لا قيمة له عند الرجال الرجال في جبل ​وليد جنبلاط».