التكنلوجيا

عالم تجارة الأخبار المزيفة من الداخل

منذ أسبوعين، كنت أجلس في حانة مظلمة في بلدة صغيرة على مسافة ساعة بالسيارة من عاصمة كوسوفا، بريشتينا. وأمامي رجل متوتر، يشيح برأسه بعيدا كلما شعر بأن الكاميرا قد تلتقط صورة له.

كان هذا الرجل أحد تجّار الأخبار المزيفة، ووافق في النهاية أن يتحدث إليّ عن كيف يجني الأموال من هذا العمل.

في البداية، جئت إلى كوسوفا منذ أكثر من عام عندما كنت أقوم ببحث عن كتاب عن قوة العصر الرقمي وكيف تغيرت في الآونة الأخيرة.

لقد سمعت عن حملات التأثير الروسية التي تعمل في الخفاء والجيوش التي تخوض معاركها من خلال المعلومات.

لكن، من قابلتهم هنا أكدوا وجود سبب آخر يدفع الناس إلى إرسال الأخبار المزيفة والمثيرة إلى الجماهير في الدول الغربية. إنه المال.

ويستخدم مصطلحا “كليك بيت” و”الأخبار المزيفة” في بعض الأحيان بالتبادل لوصف تداول المواد المثيرة أو المزيفة على شبكة الإنترنت.

ومنذ عام أثبت لي “بيورم” أن نشر المعلومات المضللة بمثابة صناعة مزدهرة. وكان تأثير بعض المعلومات المضللة التي وصفها بالسياسية كبيرا للغاية.

جني المال من الإنترنت يعني ببساطة جمع أكبر عدد من المستخدمين. ويمتلك التاجر، الذي تحدثت إليه، قرابة 12 صفحة على فيسبوك، مخصصة لكل شيء بداية من المسيحية الإنجيلية حتى الوجهات السياحية لقضاء العطلات.

ومهما كان موضوع تلك الصفحات، كانت تجذب عددا كبيرا من المستخدمين، فهذه تحظى بإعجاب 90 ألف شخص، وأخرى بإعجاب 240 ألفا وثالثة بـ 26 ألف إعجاب.

لقد تمكن بيورم من إيصال محتواه إلى قرابة مليون شخص، وحوّل تلك النقرات على لوحة المفاتيح إلى إيرادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الخارجية، لقد كان بيورم يجني قرابة 600 يورو في يوم واحد.

إنها أموال أكثر بكثير من أن تقدمها أي وظيفة قانونية يمكن أن يحصل عليها.

وفي الوقت الذي قابلت فيه بيورم، بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى تتعهد بالقضاء على هذه الصناعة، ووصف مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكربيرغ، الأخبار المزيفة بأنها تمثل “تحديا شخصيا” له.

وفي عام 2018، ضاعف فيسبوك من فرق الأمن الإلكتروني لديه إلى 20 ألف شخص، وأغلق عددا كبيرا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة “كليك بيت”، ما أدى إلى قلة مشاهدتها إلى حد كبير.

ولذلك، عدت، الشهر الماضي، هذه المرة مع بي بي سي، وأردت معرفة ما إذا كان شيء ما قد تغير، وما الذي حققته حملة فيسبوك لمواجهة الأخبار المزيفة في نظر الأشخاص الذين روجوا لها.

وقال الرجل، وهو يبتسم ويحني رأسه على هاتفه كي لا تلتقط الكاميرا وجهه: “الجمهور على تلك الصفحة هو في الغالب من البريطانيين.”

من الصعب معرفة على وجه الدقة حجم هذا الاقتصاد غير المشروع في الماضي. لكن الإجراءات التي اتخذها فيسبوك، التي سمعتُ عنها كثيرا، كان لها بعض التأثير، إذ أغلقت صفحة تلو أخرى، وانخفض الدخل اليومي من 600 يورو إلى نحو 100 يورو.

وقلّت أرباح نشر الأخبار المزيفة، بعد ذلك، وربما باتت بعيدة إلى حد كبير عن القضايا السياسية، وتحولت على ما يبدو إلى نوع من الضحة بين المشاهير، والقصص المزيفة عن لاعبي كرة القدم أو العنف الجنسي، وبات مروجو هذه الأخبار يتبادلون الأخبار التافهة.

“40 في المئة من الشباب”

ومع ذلك، على الرغم من قلة الأرباح، لا تزال الممارسة تنتشر انتشارا واسعا على الإنترنت.

وقال أحد التجار: “40 في المئة من الشباب في كوسوفا يقومون بهذا.” وقال آخر: “الآلاف والآلاف (يقومون بهذا).”

ولا يدعو هذا الأمر للاستغراب. فمبلغ 100 يورو يوميا لا يزال في إمكانه تغيير حياة شخص ما، مثل هذا الرجل، الذي تعود على كسب سبعة يوروهات في اليوم الواحد من وظيفته كنادل قبل أن يبدأ في عمله الجديد، والسبب واضح.

وبعد الإجراءات الجديدة التي اتخذتها فيسبوك، كانت المفاجأة الكبرى هي “كيف” يمارس تجار الأخبار المزيفة نشاطهم الآن.

هناك جانب آخر غير مرئي لصناعة الأخبار المزيفة و”كليك بيت” بالنسبة لنا.

وعلمت أنه لا تزال هناك شبكات من مجموعات مغلقة تضم ما يترواح بين بضع مئات إلى عدة آلاف من الأعضاء، ولكي تصبح عضوا في هذه المجموعة المغلقة يتعين عليك فقط أن تتلقى دعوة من الداخل.

وفي داخل تلك المجموعات، كان من الواضح أن فيسبوك ليس فقط المكان الذي يجمع فيه هؤلاء (التجار) الجماهير، لكن كان من الواضح أنه أيضا مكان يتعامل فيه تجار الأخبار المزيفة فيما بينهم.

رأيت صفحات على فيسبوك تحظى بمئات الآلاف من الإعجابات تباع بآلاف من الدولارات. وآخررون يبيعون إعجابات مزيفة أو حسابات مزيفة أو يقدمون نصائح حول كيفية الالتفاف حول إجراءات فيسبوك.

حتى إننا عثرنا على “صفحات إرشادية للأخبار المزيفة” للمبتدئين، مرفق بها مجموعة من الصفحات على فيسبوك لجمع الجماهير، بالإضافة إلى مواقع يمكن من خلالها تحويل نشاطك إلى أموال.

ولم يكن فيسبوك وحده المبدع، بل كان التجار كذلك مبدعين. كان بعضها متخصصا في جذب المستخدمين إلى صفحات بعينها ثم بيعها، وآخرون متخصصون في بيع المحتوى، ولا يزال كذلك آخرون يركزون في كيفية الالتفاف حول إجراءات فيسوك.

وحتى داخل المجموعات الصغيرة، كان هذا يحدث بشكل روتيني عشرات المرات يوميا. لقد كان ذلك بمثابة تلاعب واسع بسياسات فيسبوك وأنظمته.

في جميع أنحاء العالم، هناك آلاف من أولئك الأشخاص الذين تحدثت إليهم. وعادة ما يكون هؤلاء من الشباب الذكور والمهرة في التكنولوجيا الرقمية، ولديهم الاستعداد لنشر أي محتوى لمجرد دفع المستخدمين للنقر عليه.

وفي مهمة البحث عن نقرات المستخدمين على الإنترنت، يفوز عادة المحتوى المخيف أو الصادم أو المبالغ فيه أو المثير للانقسام.

بدأ التفكير في هذا النوع من الأخبار المزيفة، وهذا المحتوى الذي يُصدّر إلى الأسواق الغربية من أجل جني المال، كشيء يشبه زراعة الأفيون. إنه محصول يدر أموالا كثيرة.

وليس هناك أي فائدة تعود على هؤءلاء الذين يروجون لهذه الأخبار أو يصنعونها، كما أنها لا تقدم أي نفع للأسواق الأجنبية التي تستهلكها.

لكنها، إلى حد كبير، هي الطريقة الأسهل والأنسب لجني المال بالنسبة للبعض. لذلك إن كنت تريد القضاء على الأخبار المزيفة، لا يمكنك حرق الحقول، فكل ما تحتاجه هو إعطاء الناس شيئا آخر لزراعته.